الزواج الصحراوي

يعتبر الزواج في الصحراء من الأمور التي تخضع لتفاصيل معقدة, نظرا للتشابك القبلي وغلاء المهور وتأثير المصاهرة على مستقبل الأسرة و القبيلة, و لا يختلف الزواج بين قبائل الصحراء إلا في بعض الطقوس الجزئية, بينما يتفق في معظمها. و يمر الزواج الصحراوي عبر أربعة مراحل :
أولا : الخطوبة
بكفي أن يسمع أب الشاب أن أهل فلان لديهم فتاة في سن الزواج ثم يسأل و يتقصى الحقائق واضعا في المرتبة الأولى إذ هو المعيار الرئيسي في الزواج سواء بالنسبة للرجل أو المرأة, كما لا يسأل عن مال الرجل و ممتلكاته بقدر ما يعني أهل المرأة حسبه و نسبه.
بعد اختيار العائلة للعائلة الأخرى التي ستصاهرها, يذهب أب الشاب أو وليه رفقة أحد المقربين لتقصي رأي تلك العائلة في الموضوع, فإن تمت الموافقة يعودون لأهل العروس مرة أخرى في موكب صغير يضم أقرب أقرباء العريس قصد إعلان الخطوبة يحملون معهم رأسا من الغنم " ذبيحة " و" حمل السكر " و تتقدم الجماعة بطلب يد الفتاة.
وسواء تم العقد يوم الخطبة أو لم يتم فإن موعد الزواج يحدد قبل خروج الخاطبين من خيمة العروس. و يعود أهل العريس إلى ديارهم لتحضير مستلزمات الزفاف في انتظار الموعد المحدد.
وأثناء مرحلة الخطوبة تخضع الفتاة لنظام تغذية خاص كما تخضع لعملية البلوح و هي عملية لتسمين الفتاة, فقد كان العرف السائد أن يختار الرجل زوجته من بين الفتيات اللواتي مررن بهذه العملية, و تتم عملية البلوح بطرق متعددة, نذكر على سبيل المثال أن يقدم للفتاة كمية من اللبن تشربها بشكل متوالي في أوقات محددة وتتوالى السهر على إنجاز هذه المهمة أمة صارمة في تعاملها.
ثانيا : العقد
كان العقد عند أهل الصحراء شفويا لا يعتمد الكتابة بحيث تقرأ الفاتحة في حضور شيخ القبيلة والفقهاء و يتم ذلك بصيغة طلب الفتاة من طرف أهل العريس. و حينها يشرع الطرفان في مناقشة ما سيحمله أهل العريس للعروس, و غالبا ما يتم التراضي و بدون نقاش طويل.
أما تكاليف العرس فهي عبارة عن عدد من الإبل يتم الاتفاق عليه في حدود الست كما يأتي أهل العريس محملين بأكياس السكر وصناديق تضم ألبسة العروس وزينتها وكذا أثواب وعطور وحلي وأشياء أخرى للطيب مثل الند (هو عود يتم حرقه لتفوح منه رائحة طيبة ويأتي من الهند) والخواض (القرنفل) و تيدكت (المسكة الحرة وهو "بخور").
وهناك بعض القبائل لا تناقش أبدا في قضية المهر عددا وقيمة, بحيث أنها تشترط أثناء عقد القران بأن " لا سابقة ولا لاحقة " ومعناه أن أهل العروس يشترطون على أهل الزوج أن لا تكون في عصمته غيرها ولا يتزوج عليها أخرى. وحين قراءة الفاتحة تطلق النساء الزغاريد بينما يقوم الرجال بإطلاق عيار ناري واحد يسمى "عمارة العقد" كما يبدأ الاحتفال بالضرب على الطبل و إنشاد الأغاني المختلفة و يستمر الحفل سبعة أيام متتالية في حالة الفتاة البكر و ثلاثة بالنسبة للثيب, ولا يتعدى يوما بالنسبة لعريس وعروس سبق لهما الزواج من قبل.
ثالثا : حفل الزفاف
عندما يحل موعد الزفاف, يتجه موكب حافل يضم أهل العريس وأقاربه نحو فريك العروس, تتقدمهم جماعة من الرجال أو النساء يحملن ثوبا أبيض يسمى " البند" فيحمل إلى أعلى عندما تصبح الكوكبة على مشارف خيام العروس كإشارة لوصولهم مصحوبا بالزغاريد وطلقات نارية في جو تسوده الفرحة والسرور, أثناء التقاء أهل العريس بأهل العروس تبدأ بينهما مشادات حول "البند" بحيث تأخذ كل فرقة بأحد طرفي البند و تجره نحوها للفوز به, فمن ظفر به يعتبر هو المنتصر وهو نوع من الطقوس التي يقومون بها من باب الترفيه و التسلية. كما ترافق الاحتفال طقوس أخرى مثل " اللز على الإبل".
بينما يجلس الشيوخ و كبار السن في خيمة أخرى لأن من عادة الصحراويين أن لا يختلط الشيوخ بالشباب والنساء في الاحتفال لأن ذلك يقلل من احترامهم. وتتميز خيمة الرك "خيمة الزوجين" عن باقي خيام لفريك بأنها تفرش بالزرابي التقليدية الأصيلة, تجلس النساء في جانب والرجال في جانب آ خر وفي الوسط توجد فرقة موسيقية من "خدم الطبل" وعلى إيقاع الطبل يقوم أحد الحاضرين بالرقص داخل الحلبة أو" المرجع " المعدة خصيصا لذلك. خلال هذه المدة تلبس العروس لباسها الذي يصنع من الثوب الذي جلبه العريس لها " بيص بيض " و"بيص كحل " و الذي سبق أن خيط من طرف امرأة تشتهر بالبركة, ويتم تعطيره فتلف العروس قطعتي الثوب على جسدها بمساعدة وصيفتها ويظل هذا لباسها طيلة الأسبوع. أما العريس فيلبس " دراعة بيضة " و " لثام أكحل " و يحمل في يده " بنسع " و هي مجموعة شرائط من الجلد تشبه في شكلها حامل المفاتيح إلا أنها أكبر منها, وهي عادة من عادات الصحراويين يحملها العريس ليضرب بها أي متجرئ عليه من أهل العروس يدخل العريس إلى خيمة الرك و يجلس في الجانب المخصص له لتلتحق به العروس فيما بعد بنفس الخيمة. وفي صبيحة اليوم الأول يذهب كل من استيقظ إلى خيمة الرك يطلب العادة و العادة عبارة عن بعض "التمر و كرتة (الكاكاو) " يقدمه العريس لكل من يهنئه صباح ذلك اليوم.
و تستمر هذه الأغاني وهذه العادات طيلة الأيام السبع ما لم يفلح أنصار العروس في إحراز ليلة إخفاء بين الليلتين المخصصتين لذلك و هي الليلة الثالثة و الخامسة.
وبعد الأسبوع الأول تكرس خيمة الرك أي خيمة الاحتفال ويتم تعويضها ببنية وهي خيمة بيضاء تبنى خلف الخيام ولا ترحل العروس عن خيام أهلها إلا بعد ولادة ابنها الأول وطيلة مدة إقامتهم مع أهل العروس فإنه يطلق عليهم "أهل لبنية" على اعتبار أن إقامتهم هناك مؤقتة, وبعد أن يرحل الزوجان إلى خيام أهل العريس تبنى خيمة من الشعر (وهي خيمة تصنع من وبر الإبل) ككل خيام لفريك وهنا يطلق عليهم اسم " أهل الخيمة " لأن إقامتهم ستكون دائمة.
رابعا : الرحيل
يستأذن العريس أهل العروس في الرحيل إلى فريك أهله, فإن قبلوا, حددوا اجل ذلك, كي يتمكنوا من تحضير جهازها الذي سترحل به يتكون الجهاز في الغالب من" بنية (خيمة) واكطايف (زرابي صوفية حمراء) وتزياتن (حقائب جلدية توضع فيها الملابس) وأسراما (وسائد جلدية)" بالإضافة إلى بعض الأنواع من الحلي والإبل وتكون حسب إمكانية أهل الزوجة وحسبما قدمه العريس إليهم أثناء العرس.

تتزين العروس وتركب هودجها على ظهر الجمل الذي يقوده زوجها, وفي بعض الأحيان يقع أكلاع وقت الرحيل أيضا (أثناء حمل أهل العريس لأغراض العروس يقوم أهل العروس بإعادتها تعبيرا عن عدم رغبة الأهل مغادرتها).
عندما يصل " الرحيل " وهو موكب العروسين بما فيه من أشخاص وأمتعة إلى فريك أهل الزوج, فإن الزوجة تقيم أولا مع أهل زوجها أياما طويلة رغم وجود خيمة جاهزة للعروسين, إذ أنه من غير اللائق في أعراف الصحراء أن يتوجه العروسان إلى خيمتهما مباشرة.

migk77 كتب:اشكرك اكبال على هذه المعلومات الوافيه والرائعه في نفس الوقت.....ما أروع الاباء والاجداد. انت متميزة ومبدعه واصلي عطائك ....هوناك جيلا لايدري ومن عطائك يستفيد. لك تحية "ن.

اخي الفاضل migk 77 اسمح لي اقولها لك تبعا لرد احد الاخوان الافاضل
اشكرك كثيرا لتشريفك صفحتي هاته، حيث زادت تألق بوجودك، أخي لست انا متميزة الا بحضوركم اخواني اخواتي. فما اراكم ايها الصحارويين الا نجوما ساطعة في سماء التميز انشاء الله، وما انا الا واحدة منكم.

واتمنى ان اكون قد وقفت وانشاء الله تعم الافادة باذن الله

تحياتي


معلومة